شبكة الدعم الخفية: كيف تتشابك خيوط التكنولوجيا العالمية مع الكيان الإسرائيلي؟




قد تبدو التكنولوجيا التي نستخدمها يوميًا محايدة، مجرد أدوات وبرامج تسهل حياتنا. لكن تحقيقًا حديثًا يكشف عن واقع أكثر تعقيدًا وإثارة للقلق: شبكة واسعة من العلاقات العميقة تربط بين عمالقة التكنولوجيا العالميين والقدرات العسكرية والأمنية للكيان الإسرائيلي. هذه العلاقة تتجاوز مجرد التعاملات التجارية لتصل إلى دعم مباشر وغير مباشر للبنية التحتية العسكرية والأمنية المستخدمة في قمع الفلسطينيين ومراقبتهم.

عمالقة التكنولوجيا في قلب الدعم:

ليست شركة واحدة أو اثنتين، بل قائمة ط7ويلة من الشركات المعروفة التي نعتمد على منتجاتها وخدماتها بشكل يومي، تظهر كداعم رئيسي للكيان.

  • مايكروسوفت وجوجل وأمازون: هذه الشركات ليست مجرد أسماء مألوفة، بل هي متورطة بشكل مباشر عبر مشاريع ضخمة مثل "مشروع نيمبوس" الذي يوفر خدمات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي المتقدمة للحكومة والجيش الإسرائيليين، مما يعزز قدراتهما على المراقبة والسيطرة الرقمية. كما أن استحواذ جوجل مؤخرًا على شركة "Wiz" الإسرائيلية للأمن السيبراني، التي أسسها خريجو وحدة الاستخبارات الشهيرة 8200، مقابل 32 مليار دولار، يثير تساؤلات جدية حول عمق هذا التعاون.

  • إنتل وإنفيديا: لا يقتصر الأمر على البرمجيات. شركات تصنيع الرقاقات مثل إنتل، التي نقلت مراكز أبحاثها إلى حيفا وبيتح تكفا وضخت استثمارات بـ 10 مليارات دولار في مصنع كريات جات، وإنفيديا بتعاونها مع شركة "Envision" الإسرائيلية لتطوير أنظمة التعرف البصري المستخدمة في نقاط التفتيش والمراقبة، تجعلان حياة الفلسطينيين أكثر صعوبة بشكل يومي.

  • HP وديل: حتى الشركات التي قد تبدو منتجاتها أقل ارتباطًا مباشرًا، مثل HP وديل، تلعب دورًا. HP هي الشريك الأول لإسرائيل في طباعة الوثائق الأمنية وتزويد الجيش بأنظمة البيانات الحيوية لإدارة الهوية في المناطق المحتلة. أما مايكل ديل، مؤسس الشركة، فيتفاخر بتبرعه بمبلغ 18 مليون دولار لمنظمة "أصدقاء جيش الدفاع الإسرائيلي"، وهو دعم يتجاوز حدود الحياد.

  • شركات أمنية واستخباراتية: العلاقة تمتد لتشمل شركات متخصصة في الأمن السيبراني والاستخبارات، مثل "Team8" و "AI21 Labs" اللتين تطوران نماذج لغة مخصصة للتحليل الأمني، و"Cellebrite" المعروفة بتقنيات كسر تشفير الهواتف المستخدمة في الاستجوابات. العديد من هذه الشركات يقودها أو أسسها خريجو الوحدات العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية، ويحظى بعضها بدعم مستثمرين كبار مثل بيتر ثيل (مؤسس باي بال) وإريك شميدت (الرئيس التنفيذي السابق لجوجل).

  • منصات واتصالات: حتى منصات التواصل والعمل الحر مثل "فايبر" (المملوكة لراكوتين اليابانية والمستخدمة كقناة اتصال رسمية) و "فايفر" (المتهمة بتسهيل استقطاب الخبرات التقنية لدعم المشاريع الإسرائيلية)، بالإضافة إلى شركات الاتصالات مثل "إريكسون" السويدية التي توفر تقنيات الجيل الخامس للاتصالات التكتيكية، تجد نفسها جزءًا من هذه الشبكة.

  • استثمارات عابرة للحدود: الدعم لا يقتصر على الشركات الغربية. استثمارات صينية مثل ضخ "علي بابا" 300 مليون دولار في صندوق "JVP" الإسرائيلي الموجه لشركات الأمن السيبراني، ومشاركة "هواوي" في مراكز بيانات بميناء حيفا، تظهر أن هذا التشابك يتجاوز الحدود التقليدية.

  • تعاون عسكري مباشر: شركات الدفاع الكبرى مثل "Elbit Systems" و "Rafael Advanced Defense Systems" تتعاونان لتطوير أسلحة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مثل الطائرات المسيرة الهجومية من طراز "Harpy" المستخدمة في غزة، بينما تطور شركات مثل "CyTactic" نماذج لغة متخصصة لإدارة العمليات الإعلامية العسكرية والبروباغندا.

تحدي المقاطعة ودعوة للوعي:

أمام هذه الشبكة المعقدة، حيث تشير التقديرات إلى أن نحو 78% من الشركات المدرجة في مؤشر S&P 500 لديها تعاملات تجارية مع كيانات إسرائيلية، تبدو المقاطعة الشاملة تحديًا هائلاً. ومع ذلك، فإن الوعي بهذه العلاقات هو الخطوة الأولى. إن التركيز على مقاطعة الشركات الأكثر تورطًا بشكل مباشر في تطوير وتوريد التقنيات العسكرية والأمنية المستخدمة في القمع، مثل Intel, Nvidia, HP, Dell, Google, Amazon، قد يكون استراتيجية أكثر واقعية وفاعلية.

الأهم من ذلك، يجب على المستهلكين والحكومات ورجال الأعمال في المنطقة العربية إعادة النظر في استثماراتهم ودعمهم، والتوجه نحو بناء وتعزيز البدائل التقنية المحلية، سواء كانت فلسطينية أو عربية. إن دعم المشاريع الناشئة في منطقتنا ليس مجرد خيار اقتصادي، بل هو ضرورة أخلاقية واستراتيجية لمواجهة هذا التشابك المقلق بين التكنولوجيا العالمية والاحتلال. استخدامنا اليومي للتكنولوجيا قد يساهم، دون علمنا، في دعم أنظمة القمع، ومعرفة هذه الحقيقة تضع على عاتقنا مسؤولية الاختيار الواعي.



Comments